التقليد في التفسير

Dec 26 2020 733

التصنيف

المقالات

شارك المادة

السؤال:

هل يُعتبر الوثوق بتفسير عالم من العلماء للقرآن الكريم تقليدًا ؟ وما التقليد المحمود وما المذموم ؟

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن التفسير هو: بيان معاني القرآن الكريم، وإذا علمنا ذلك، فإن أبواب المعاني تختلف عن باب الأحكام، إذ الحكم واحد، والمعنى قد يتعدد .

ولتصوير المسألة، نقول:

إن مصادر التفسير المعتمدة عند أهل الفن، هي: (القرآن - السنة - أقوال السلف [الصحابة - أتباعهم - أتباع التابعين] - اللغة)، وثم مصدر خامس يختلف الناس حوله، وهو (الإسرائيليات) .

وإذا تأملنا في أثر ابن عباس رضي الله عنهما، «التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله»(1)، فسنجد أن باب التقليد في المعاني أقل منه في باب الأحكام .

فإن اللغة مبناها على النقل، فمتى كان التفسير مبناه على اللغة، فإنه قد خرج بذلك عن محل التقليد، إذ قول الصحابي مما أخذه من اللغة حجة بنفسه، وكذلك فإن المفسر لو نقل المعنى من اللغة، فليس هذا منه تقليدًا بالمعنى الموجود في كتب الأصوليين .

وكذلك فإن قول الصحابي حجة عند أهل الفن، ومصدر من مصادر التفسير المتفق عليها، وهي خارجة كذلك عن باب التقليد .

 

وقبل الدخول في موضوع التقليد، والذي يمكن أن نعرفه في باب المعاني بقولنا، هو: ((قبول قول المفسر بعد عصر السلف(2) من غير معرفة دليله)) .

فلا بد أن نعلم أن غاية المجتهد بعد عصر السلف:

1- أن يتخير المفسر من أقوالهم، ويرجح بينها .

2- أن يأتي المفسر بقول جديد لم يسبقوه إليه، وقد يكون هذا القول صوابًا إذا اندرج تحت ضوابط القول الحادث، وقد يكون خطأً إذا لم يراع هذه الضوابط .

فقد توجد بعض المحتملات الصحيحة التي لم يذكرها السلف، وهذه المحتملات تقبل إذا توفرت فيها الضوابط، والتي منها:

1- أن يكون المعنى المذكور صحيحًا في ذاته .

2- أن لا يبطل قول السلف .

3- أن تحتمله الآية .

4- أن لا يُقصر معنى الآية على هذا المحتمل الجديد، ويترك ما ورد عن السلف .

بعد هذا نقول:

إذا وصل المفسر إلى هذه المرحلة، فهو من أهل الاجتهاد في التفسير، وهو ما يُعبر عنه بالمفسر المجتهد، ومن أنواع المفسر المجتهد:

1- المفسر الناقد، وهو الذي يجمع مرويات المفسرين ويرجح بينها .

2- المفسر المتخير، هو أن يعمد المفسر إلى أقوال التفسير فيختار منها قولًا دون غيره، ولا يتعرَّض لنقد ما سواه، فهو في تخيره يوافق المفسر الناقد، غير أنَّ المفسر الناقد يتميز عنه بنقده الغالب لما لا يختار .

ودون هذه المرتبة، وُجد المفسر الناقل، ولا رأي له في التفسير، إنما هو النقل فحسب .

وبعد تلك المراتب كلها، لا يبقى أمام الإنسان إلا أن يُقلد مفسرًا من أهل التحقيق يُقلد ترجيحه ونظره، ويختار قوله فيما أشكل عليه من معاني الآي، ولا حرج عليه في ذلك ما دام قد ابتعد عن تقليد أهل البدع والأهواء في تحريفهم لمعاني كلام الله تعالى عن مواضعه .



(1) تفسير الطبري، ط، الحلبي: (1/ 34)، وإيضاح الوقف والابتداء: (1/ 101).


(2) ومقصودنا بالسلف: (الصحابة - أتباعهم - وأتباع التابعين).


الأكثر شهرة

القائمة البريدية

أدخل البريد الإلكتروني للإشتراك في القائمة البريدية